مرت الحضارة الانسانية بثلاث مراحل مائية إن صح التعبير ... هي أولا ًحضارة النهر...والمقصود بها الحضارات التي نشأت في أحواض الانهر ، وهي اقدم الحضارات على وجه الارض كحضارة ما بين النهرين والحضارة الفرعونية والفارسية ...وحضارة البحر ثانياً... وهي الحضارات التي نشأت حول البحر الابيض المتوسط ( المغلق ) تحديدا ً...وهي الفينيقية والاغريقية والرومانية... ثم الحضارات التي نشأت بعد عبور المحيطات ثالثاً ... وحصلت بعد رحلات اكتشاف العالم الجديد وخصوصا اميركا... وقد كانت كل حضارة سببا في نشوء الحضارة التي بعدها بما نقلته اليها من قوى ووسائل معرفة وعلوم... فحضارات النهر انتقلت الى لبنان موطن الحضارة الفينيقية أولا ً... ومنها عبر البحر المتوسط الى قرطاجة في شمال افريقيا... حيث كانت صيدا عاصمة للاشوريين في احد الايام.. وبعدهم عاصمة للفرس ...وكان اسمها ( سيدون )... كذلك انتقلت حضارة النهر الى جزيرة كريت القريبة وجزر اليونان الاخرى ( حيث أن الجزر اليونانية هي الاقرب لقارة آسيا موطن حضارات النهر).... ثم انتقلت الاغريقية الى ايطاليا لانها تجاورها من جهة الغرب...فنشأت الحضارة الرومانية... ثم من الساحل الغربي لاوربا ( اسبانيا والبرتغال ) عبر المحيطات نحو العالم الجديد .
خلال جميع هذه الحضارات كان للورد حضوره المميز... ففي اور السومرية ، وهي مدينة ابراهيم الخليل قبل هجرته من العراق ( مدينة مسكونة منذ الالف السادس قبل الميلاد اي عصر العبيد..وفيها ظهر اول دين واضح الطقوس وبني فيها اول معبد وظهر فيها اول نظام اروائي واول قانون...والقول بان حمورابي هو صاحب اقدم قانون في التاريخ مغلوط تماما لكنه اشتهر بذلك بسبب المسلة الرخامية المكتوب عليها قانونه ) ...عموما ففي أور (تلفظ على وزن لفظ مدينة صور اللبنانية...طبعا لمن لم يسمع بها من غير العراقيين )..عثر المنقبون الاوربيون على الواح طينية تتحدث عن حمولات من زيت الورد تقدر يثلاثين الف جرة فخارية مختومة ترسل سنوياً الى جهة ما (اسم الجهة المرسل اليها غير موجود بسبب كسر في اللوح الطيني )...المضحك بالموضوع أن الكتاب الامريكي الذي يذكر هذه الحقيقة ، يظن أن هذه الجهة هي بغداد ، وتحديداً الى سلطان بغداد... لان سلطان بغداد كان يستهلك هذه الكمية من زيت الورد في قصوره...حيث كانوا يستخدمونها كعطور ويرشونها على بلاط وممرات القصر كيما تشيع رائحته الزكية في أرجاء القصر... (بنيت بغداد على يد ابي جعفر المنصور بعد اور بما بين 2800 – 5000 سنة )...ذكرتني هذه القصة بسوق صغير في بغداد اسمه ( سوق الجايف )... ولا أعلم إذا ما كان هناك في بغداد من يعرف هذا الاسم في هذه الايام .. اسم السوق مشتق من كلمة جيفة.... وهي الحيوان الميت والمتفسخ... والجايف بمعنى ( الكريه و النتن الرائحة )...ويقع هذا السوق في الشورجة... بين شارعي النهر و الرشيد... ومحلاته لتجار القماش والشراشف وباعة العبائات على ما اتذ كر...وسبب التسمية هو أنتشار مرض الطاعون في بغداد بالتزامن مع فيضان دجلة سنة 1831 .... حيث توفى عدد كبير من الناس....و بقيت الجثث في الاسواق والشوارع اسابيع طويلة لا تجد من يقوم بدفنها ....فانتشرت رائحة كريهة رهيبة...وظل السوق بتلك الرائحة لاشهر طويلة....والناس تتحاشى دخوله أو تدخله مسرعة لتجتازه باسرع ما يمكن ... يروي عالم الاجتماع العراقي المرحوم علي الوردي قصة أحد أجداده الذي كان شاهداً على هذا الطاعون : ( يقول : أن جده كان يعيش وسط عائلة متوسطة العدد يبلغ عدد افرادها 10 على ما اتذكر... فلما انتشر الطاعون صاروا يتناقصون واحدا بعد واحد...ففي كل يوم يموت احدهم... والجد يقوم بتغسيله وتكفينه ودفنه ...حتى ظل وحيدا...وقد رأى في منامه في احدى الليالي أن 10 جنائز قد خرجت من هذا البيت....فلما مات التسعة الباقون أدرك أنه سيكون العاشر لا محالة.... والمعروف ان الناس قديما كانوا ، ولا زالوا للاسف ، يؤمنون ويصدقون كل شيء : الخرافة والاسطورة والحلم واقوال الشيوخ الخ....ولخوفه من أن يبقى دون غسل ولا تكفين اذا ما مات لعدم وجود من يقوم بذلك... قام فاغتسل وارتدى الكفن ولف جسمه كالميت تماماً .. ثم تمدد على ارضية الدار منتظرا ملك الموت... بعد ساعات من الانتظار ، تشاء الصدف أن يدخل الدار احد اللصوص... حيث يزداد نشاط اللصوص في هذه الظروف كما هو معلوم ، لانهم يتوقعون فراغ الدور نتيجة وفاة اهلها او هروبهم خارج المدن... اقترب اللص من الجد رويداًرويداً... وحين شاهد الجثة المسجاة اقترب منها... لكن الجد أحس بحركة غير طبيعية لا يبدو عليها انها من حركات عزرائيل المعروفة للجد كما يبدو ...فقفز صارخا بوجه اللص الذي سقط من فزعه ميتا من ساعته ....وهكذا اكتمل العدد ( 10) ...وخرجت العشر جنائز كما في الحلم ...وادرك الشيخ بما لا يقبل الشك انه سيعيش... فخلع الكفن ونام بشكل عادي... وعاش فعلاً )....وهذا التأثير الساحر للعامل النفسي سيتكرر ثانية حين نتحدث عن كاتدرائية هيلدسهايم وشجرة الورد فيها .
يقول التاريخ ان أرضيات وبلاط قصور كليوباترا كانت تفرش بأوراق الورد المفروطة ( البتلات ) ...ولم يذكر تحديدا اي كليوباترا...فعدد من حمل هذه الاسم من فرعونات مصر هو 7 ولم يحصل هذا بالتتابع...اذ من الممكن أن يكون بين واحدة واخرى عدد غير معروف من الفراعنة في الحقبة البطليموسية الاغريقية .... كما ذكرت الوردة كثيرا في اشعار الفرس وفي قصص ملوكهم خصوصا في الالفين الاول والثاني السابقة للميلاد...وقد كان القادة الاغريق يستخدمونها كثيرا في احتفالاتهم...وكانت اكاليل الغار التي توضع على رؤوس القادة المنتصرين تصنع منها او من ورق الغار او منهما معا ً....كما كانت رؤوس الحكام تكلل بها...وكانت تنثر في المهرجانات ضمن وسائل اشاعة الفرح والابتهاج ...كما كانوا يرشون زيت الورد على ثيابهم واجسامهم ... كذلك كان الرومان يفعلون في حقبتهم من امتطاء صهوة الحضارة.... وتحدثت اساطير يونانية كثيرة عن ولادة هذه الزهرة...وسأذكر لكم اثنتين منها وواحدة رومانية حين نتحدث عن الاساطير المرتبطة بها .
هناك كاتدرائية في المانيا اسمها كاتدرائية السيدة العذراء في مدينة هيلدسهايم ، وتقع هذه المدينة على بعد حوالي 30 كيلومترا ً من مدينة هانوفر...بنيت قبل اكثر من الف سنة...توجد فيها اشهر واقدم شجرة ورد مزهرة في العالم....هذه الشجرة عمرها اكثر من الف سنة ..وهو عمر الكاتدرائية... ترتبط هذه الشجرة باسطورة ويقين عند الناس وخصوصا الالمان بأنها ستستمر بالازهار كل عام... وتمتليء ورودا ً طالما بقيت المدينة بخير....وأن حياتها وإزدهارها مرتبط بإزدهار المدينة....وفي العام الذي لن تورد فيه ...ولن تزهر ستنتهي المدينة وتندثر....هذا الاعتقاد منذ مئات السنين ...والغريب أن احدى غارات الحلفاء قد دمرت الكاتدرائية تماما في الحرب العالمية الثانية....ولم يسلم اطلاقاً الا هذه الشجرة....مما عزز هذا اليقين في قلوب الناس...ودفعهم الى بناء المدينة والكاتدرائية من جديد وبمنتهى الحماس....لانهم يشعرون ان المدينة لا زالت مزدهرة....وهذه من اجمل القصص التي توحي بتأثير الاساطير على همم الناس وعقولها كما لاحظنا مع جد علي الوردي ....هذه الشجرة كبيرة بشكل غير طبيعي... وتتسلق جدار المذبح من الخارج وتكاد تغطيه وتصل السقف... ومن المفيد القول بأن المتحف التابع لهذه الكاتدرائية يحوي كنوزاً فنية تعتبر من الاثمن والاروع في جميع اوربا ... وربما تاتي بعد كنوزالفاتيكان و ايطاليا وفرنسا .
ينقل عن كونفوشيوس ، حكيم الصين ، الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد....أنه كان يمتلك مكتبة خاصة تضم 600 كتابا ً عن كيفية الاهتمام بالورد ( لاحظوا بالورد فقط )...وهو الذي يقول : ( إذا كنت تملك رغيفان...فاستبدل بأحدهما زهرة ) .. أو كما ذكرته الصديقة زهر النرجس في أحد تعليقاتها : ( إذا كنت تملك قرشان فاشتري بأحدهما زهرة )....ومن الواضح أن هذه الترجمة أو التصرف مصري لأن نقود الصينيين لم تكن تتضمن قرشا أنذاك.
علاقة نابليون بونابرت كانت مزدوجة بالورد... فقد كان يرسل حقائبا مليئة ببتلات الورد مع ضباطه...لكي يتم غليها مع النبيذ الابيض .. ثم تستخدم لتطهير جروح الرصاص التي تصيب المقاتلين فتشفيهم من التسمم بالرصاص....حيث كان الاعتقاد السائد في القرن التاسع عشر ، أن للورد قوة سحرية في أمور كثيرة....ولحد الآن يقوم الناس برشه من مرشات خاصة على الايدي في المناسبات الدينية والاعياد والمآتم... حيث يظن البعض (جهلاً) أن الغاية من الرش هي الرائحة الزكية للورد....ولكن الحقيقة هي الاعتقاد الشائع بقوتها السحرية في حماية الشخص من الاذى والامراض والشياطين....ولا زالت شائعة في الهند وايران وباكستان والبلاد العربية قاطبة لكنها انقرضت من اوربا المجتمع ، وربما بقيت في بعض الطقوس الدينية .
جوزفين زوجة نابليون كانت تهيم بالورد وتهتم به...وكانت تمتلك 250 نوعا مختلفا منه . .. وأعتقد أن حب نابليون وشغفه العظيم بها كان وراء ذلك...أو ربما بالعكس... كان شغفه بالورد نتيجة شغف جوزفين التي يعشق... وقد قال الشاعر العربي المنخـِّل اليشكري قديماً : ( واحبها وتحبني ...ويحب ناقتها بعيري ) ..والمثل الانجليزي يقول : ( من أحبني ، أحبَّ كلبي معي )
Love me , love my dog
وقد تحول هذا المثل الى اغنية جميلة غناها الكثيرون... كما حولوه الى فلم من انتاج الستينات ، لكنه كان بمنتهى التفاهة والسطحية وقد يحتاج الى قدرات هائلة من الصبر لاحتماله الى النهاية .
المشكلة في علاقة الورد بالتاريخ....هي أن السحر الاسطوري لولادة الوردة وتتويجها ملكة على الزهور ، قد سقط على أيدي علماء الاحاثة أوعلم الاحياء القديمة أو علم الاحافير ... فهؤلاء الذين تعددت القابهم في اللغة العربية قد عثروا على احافير لورود برية متحجرة يبلغ عمرها 40 مليون سنة ... وقد أفسدوا بذلك المتعة الاسطورية التي تتعلق بولادة الوردة والمزروعة في خيالي منذ اكثر من ثلاثين عاماً ... والتي سأحدثكم عنها لاحقا ً .
الوردة في الادب :
حين كنت طالبا في كلية الطب ... كنت انظم الشعر واشارك في المهرجانات... وكانت احدى زميلاتنا جميلة جدا...ولم تكن عربية بل من قومية اخرى ( لا اذكرالقومية لسبب سيعرف لاحقا )... حيث يختلط في العراق العديد من القوميات المتآخية كالعربية والكردية والارمنية والتركمانية والكلدانية والسريانية الخ الخ...وكان معنى اسمها في لغتها هو : ( ناثرة الورد )...وهو اسم لطيف لم اسمع له شبيها سابقا ً وقد أثار انتباهي ...وجميع الطلاب يعرفون اسمها ( فلانة ) دون ان يعرفوا معناه ...وحين عرفت معناه كان مطلع قصيدتي التالية :
تنثرين الورد َ؟؟ أ مْ أنت ِ النثار ْ فنثار ُ اللّه ِ أورادٌ كبار ْ
( الصديق الدكتور : نوفل محمد خليل ، في لندن حاليا ، كان معيدا في الكلية وقتها...هو الوحيد الذي يعرف هذه القصة ... تحياتي له )
لم تحظى أية زهرة... أو نبتة على وجه العموم ، بالإهتمام ، بنفس القدر الذي أولاه الشعراء والكتاب والفنانون للوردة...فالوردة فضلا ً عن جمالها...وعبيرها الأخاذ....ومعانيها المتنوعة حسب الوانها وعددها وصفاتها الاخرى في لغة الزهور وكما سنبين لاحقا ً... لها معان ٍ أخرى في اللغة....فكلمة ( روز ) ..تعني المرأة الجميلة... والغريب أن جميع النساء اللواتي يحملن هذا الاسم لا يعلمن هذه الحقيقة.... اللهم إلا من تحترف الادب الانجليزي... ويتصورن ان معنى هذا الاسم هو وردة.... وحين تطلب منها أن تترجمه لك للغة العربية تقول ( وردة وليس إمرأة جميلة )...وطالما كنت اتسلى بسؤال الناس عن اسمائهم ولا زلت... ومن المعاني المرتبطة بالوردة هي السرية .. فالمصطلح اللاتيني :
Sub rosa
يعني : ( الشيء الذي يقال في السر )... و من التقاليد المعروفة في القصور منذ القدم ، تقليد يعود إلى العصر الروماني... هو : وضع وردة حمراء امام باب الغرفة التي يجرى فيها اجتماع سري وشخصي ...توضع بشكل واضح لكي تبعد المتطفلين وتمنع الاخرين من الدخول او الإزعاج عند مشاهدتها...( أتسائل هل تنفع هذه الوسيلة في بلداننا أم لا ؟؟؟ )... كما ترتبط بها معان ٍ لا حصر لها ستمر بنا لاحقا ً...وفوائد كثيرة تؤكد مثلنا الذي بدأنا فيه هذه المقالة.....لكل هذه الاسباب ... ذ ُكرت الوردة كثيرا ً على ألسن الادباء والشعراء....وسنختار نماذجا ً من هذا الكثير الذي لا ينتهي ... وقد مر َّ بنا بعضها في أغاني السيدة الساحرة فيروز وسنمر على بعضها الآخر عند تناولنا لأغانيها الأخرى....لكننا سنتناول نماذجا ً لكتاب آخرين :
يقول أمين نخلة في وصفه لفم من يهوى :
أنا لا أ ُصَدق ُ أن َّ هذا الأحمر المشقوق فـَمْ
بل وردة مبتلة حمراء من لحم ٍ ودم ْ
أكمامها شفتان ، خـُذ ْروحي ومـَتـِّعني بشـَم ْ
إن َّ الشفاه َ أ ُحبها كم مرة ً قالت نعم ْ
وقد ذكر وليم شكسبير كلمة وردة أو ورد ( 50 ) مرة في كتاباته .
وسأ لخص لكم قصة قصيرة رائعة للروائي الامريكي أوسكار وايلد هي ( العندليب والوردة ) من مجموعته التي تحمل عنوان : ( الامير السعيد وقصص أخرى ) والصادرة عام 1888 ...هذه القصة قرأتها لاول مرة في كتاب المطالعة للغة الانجليزية للصف الثالث متوسط ( التاسع ) او الرابع الثانوي ( العاشر ) لا اتذكر بالضبط ...وكانت قرائتي لها خارج المنهج المطلوب...حيث كان الاساتذة يختارون بعضاً من الكتاب المقرر ويتركون الباقي....وللأسف الشديد...فهذه القصة وأمثالها عشرات لم تكن مطلوبة ... لكنني كنت اقرأها لنفسي...تقول القصة التي ساترجمها بتصرف :
جلس الطالب الشاب يلوم حظه العاثر ويتسائل من أين له أن يأتيها بوردة في هذا الشتاء القارس البرد... فقد كانت زميلته الجميلة ، ابنة البروفيسور ، قد وعدته ان ترقص معه في الحفل حتى الفجر ، لو جاءها بوردة حمراء تتزين بها.. وتسائل : ( ما قيمة دراسة الفلسفة والعلم ، اذا كان شيئا بسيطا كوردة يمكن أن يجطم حياة الانسان ؟؟؟ ) ...سمع العندليب من عشه بين اغصان شجرة البلوط بكاء الطالب وتنهداته...فقال : ( ها هو عاشق حقيقي ممن يستحقون غنائي )...وقرر مساعدته...طار يبحث عن وردة ما بين الاشجار والرياض . اعتذرت جميع الشجيرات منه... في النهاية اخبرته احدى الشجيرات ان هناك طريقة واحدة للحصول على الوردة... وهي ان يبنيها على صوت غناءه العذب في ضوء القمر وهو يغني احلى اغانيه اغنية بعد اغنية ، ويدفع صدره باتجاه شوكتها الكبيرة لتنغرز في قلبه ، فينتقل دفئه ودمه وحياته اليها....وحين تبدأ الشجرة بالحياة والاخضرار ستزهر الوردة عند الفجر...وهكذا كان...توسلت شجرة البلوط التي كانت تسمع الحديث للعندليب ان لا يذهب لكنه اصر على التضحية...واجابها : ( ما قيمة حياتي امام حب حقيقي )..حين جاء الليل... وطلع القمر...بدأ العندليب بالغناء على ضوء القمر وهو يدفع صدره باتجاه الشوكة...وشيئا فشيئاً راحت الشوكة تتوغل في صدره باتجاه القلب وهو يرفع صوته بالغناء... بدأت الشجرة بالاخضرار وبدات اوراقها تزهو والدفء يدب فيها...وبدأ العندليب بالمقابل يزداد ألما ً و نزفا وشحوبا وعذوبة في الصوت...حين اقترب الفجر..كانت الوردة على وشك الاكتمال والتفتح...وكانت الشوكة تقترب من القلب....ورويدا روديا بدأت تغوص فيه...وصوت الغناء يتعالى .
حين اشرقت الشمس..فتح الطالب نافذته لتدخل الشمس غرفته...صاح مستغربا وهو يرى وردة هي الاجمل في كل الدنيا : ( اي حظ هذا..ومن اين جاءت هذه الوردة ؟؟؟ يا لي من سعيد )..اسرع نحوها وهو يكاد ان يطير من الفرح... قطفها مسرعاً دون ان ينتبه لوجود جسم عندليب صغير كان ميتا ً بالقرب منها...حملها لحبيبته التي قابلته ببرود...فائلة : ( لم يعد للوردة حاجة...فقد وعدني ابن أخت الحاكم ، أن يعطيني بعض الزينة لأتزين بها في الحفل...وسأرقص معه !!!) عاتبها بمرارة : ( ولكنك وعدتيني ؟؟؟ )..قالت : ( ومن أنت لارقص معه في ليلة العيد...أنت مجرد طالب ... أتريدني أن اترك ابن اخت الحاكم من اجلك ؟؟؟ ) .. رمى الطالب الوردة حانقا ً على الارض...لتسقط في بركة ضحلة من ماء المطر....وتمر عربة تجرها الخيول فتهرس عجلاتها الوردة .
عاد الطالب الى غرفته...وتناول واحدا من كتبه المغطاة بالتراب... وبدأ يقرأ ... الفلسفة...والمنطق والعلم...هذا ما يعطي الانسان اعلى القيم...ويعوضه عن كل شيء .
د حكيم العبادي
خلال جميع هذه الحضارات كان للورد حضوره المميز... ففي اور السومرية ، وهي مدينة ابراهيم الخليل قبل هجرته من العراق ( مدينة مسكونة منذ الالف السادس قبل الميلاد اي عصر العبيد..وفيها ظهر اول دين واضح الطقوس وبني فيها اول معبد وظهر فيها اول نظام اروائي واول قانون...والقول بان حمورابي هو صاحب اقدم قانون في التاريخ مغلوط تماما لكنه اشتهر بذلك بسبب المسلة الرخامية المكتوب عليها قانونه ) ...عموما ففي أور (تلفظ على وزن لفظ مدينة صور اللبنانية...طبعا لمن لم يسمع بها من غير العراقيين )..عثر المنقبون الاوربيون على الواح طينية تتحدث عن حمولات من زيت الورد تقدر يثلاثين الف جرة فخارية مختومة ترسل سنوياً الى جهة ما (اسم الجهة المرسل اليها غير موجود بسبب كسر في اللوح الطيني )...المضحك بالموضوع أن الكتاب الامريكي الذي يذكر هذه الحقيقة ، يظن أن هذه الجهة هي بغداد ، وتحديداً الى سلطان بغداد... لان سلطان بغداد كان يستهلك هذه الكمية من زيت الورد في قصوره...حيث كانوا يستخدمونها كعطور ويرشونها على بلاط وممرات القصر كيما تشيع رائحته الزكية في أرجاء القصر... (بنيت بغداد على يد ابي جعفر المنصور بعد اور بما بين 2800 – 5000 سنة )...ذكرتني هذه القصة بسوق صغير في بغداد اسمه ( سوق الجايف )... ولا أعلم إذا ما كان هناك في بغداد من يعرف هذا الاسم في هذه الايام .. اسم السوق مشتق من كلمة جيفة.... وهي الحيوان الميت والمتفسخ... والجايف بمعنى ( الكريه و النتن الرائحة )...ويقع هذا السوق في الشورجة... بين شارعي النهر و الرشيد... ومحلاته لتجار القماش والشراشف وباعة العبائات على ما اتذ كر...وسبب التسمية هو أنتشار مرض الطاعون في بغداد بالتزامن مع فيضان دجلة سنة 1831 .... حيث توفى عدد كبير من الناس....و بقيت الجثث في الاسواق والشوارع اسابيع طويلة لا تجد من يقوم بدفنها ....فانتشرت رائحة كريهة رهيبة...وظل السوق بتلك الرائحة لاشهر طويلة....والناس تتحاشى دخوله أو تدخله مسرعة لتجتازه باسرع ما يمكن ... يروي عالم الاجتماع العراقي المرحوم علي الوردي قصة أحد أجداده الذي كان شاهداً على هذا الطاعون : ( يقول : أن جده كان يعيش وسط عائلة متوسطة العدد يبلغ عدد افرادها 10 على ما اتذكر... فلما انتشر الطاعون صاروا يتناقصون واحدا بعد واحد...ففي كل يوم يموت احدهم... والجد يقوم بتغسيله وتكفينه ودفنه ...حتى ظل وحيدا...وقد رأى في منامه في احدى الليالي أن 10 جنائز قد خرجت من هذا البيت....فلما مات التسعة الباقون أدرك أنه سيكون العاشر لا محالة.... والمعروف ان الناس قديما كانوا ، ولا زالوا للاسف ، يؤمنون ويصدقون كل شيء : الخرافة والاسطورة والحلم واقوال الشيوخ الخ....ولخوفه من أن يبقى دون غسل ولا تكفين اذا ما مات لعدم وجود من يقوم بذلك... قام فاغتسل وارتدى الكفن ولف جسمه كالميت تماماً .. ثم تمدد على ارضية الدار منتظرا ملك الموت... بعد ساعات من الانتظار ، تشاء الصدف أن يدخل الدار احد اللصوص... حيث يزداد نشاط اللصوص في هذه الظروف كما هو معلوم ، لانهم يتوقعون فراغ الدور نتيجة وفاة اهلها او هروبهم خارج المدن... اقترب اللص من الجد رويداًرويداً... وحين شاهد الجثة المسجاة اقترب منها... لكن الجد أحس بحركة غير طبيعية لا يبدو عليها انها من حركات عزرائيل المعروفة للجد كما يبدو ...فقفز صارخا بوجه اللص الذي سقط من فزعه ميتا من ساعته ....وهكذا اكتمل العدد ( 10) ...وخرجت العشر جنائز كما في الحلم ...وادرك الشيخ بما لا يقبل الشك انه سيعيش... فخلع الكفن ونام بشكل عادي... وعاش فعلاً )....وهذا التأثير الساحر للعامل النفسي سيتكرر ثانية حين نتحدث عن كاتدرائية هيلدسهايم وشجرة الورد فيها .
يقول التاريخ ان أرضيات وبلاط قصور كليوباترا كانت تفرش بأوراق الورد المفروطة ( البتلات ) ...ولم يذكر تحديدا اي كليوباترا...فعدد من حمل هذه الاسم من فرعونات مصر هو 7 ولم يحصل هذا بالتتابع...اذ من الممكن أن يكون بين واحدة واخرى عدد غير معروف من الفراعنة في الحقبة البطليموسية الاغريقية .... كما ذكرت الوردة كثيرا في اشعار الفرس وفي قصص ملوكهم خصوصا في الالفين الاول والثاني السابقة للميلاد...وقد كان القادة الاغريق يستخدمونها كثيرا في احتفالاتهم...وكانت اكاليل الغار التي توضع على رؤوس القادة المنتصرين تصنع منها او من ورق الغار او منهما معا ً....كما كانت رؤوس الحكام تكلل بها...وكانت تنثر في المهرجانات ضمن وسائل اشاعة الفرح والابتهاج ...كما كانوا يرشون زيت الورد على ثيابهم واجسامهم ... كذلك كان الرومان يفعلون في حقبتهم من امتطاء صهوة الحضارة.... وتحدثت اساطير يونانية كثيرة عن ولادة هذه الزهرة...وسأذكر لكم اثنتين منها وواحدة رومانية حين نتحدث عن الاساطير المرتبطة بها .
هناك كاتدرائية في المانيا اسمها كاتدرائية السيدة العذراء في مدينة هيلدسهايم ، وتقع هذه المدينة على بعد حوالي 30 كيلومترا ً من مدينة هانوفر...بنيت قبل اكثر من الف سنة...توجد فيها اشهر واقدم شجرة ورد مزهرة في العالم....هذه الشجرة عمرها اكثر من الف سنة ..وهو عمر الكاتدرائية... ترتبط هذه الشجرة باسطورة ويقين عند الناس وخصوصا الالمان بأنها ستستمر بالازهار كل عام... وتمتليء ورودا ً طالما بقيت المدينة بخير....وأن حياتها وإزدهارها مرتبط بإزدهار المدينة....وفي العام الذي لن تورد فيه ...ولن تزهر ستنتهي المدينة وتندثر....هذا الاعتقاد منذ مئات السنين ...والغريب أن احدى غارات الحلفاء قد دمرت الكاتدرائية تماما في الحرب العالمية الثانية....ولم يسلم اطلاقاً الا هذه الشجرة....مما عزز هذا اليقين في قلوب الناس...ودفعهم الى بناء المدينة والكاتدرائية من جديد وبمنتهى الحماس....لانهم يشعرون ان المدينة لا زالت مزدهرة....وهذه من اجمل القصص التي توحي بتأثير الاساطير على همم الناس وعقولها كما لاحظنا مع جد علي الوردي ....هذه الشجرة كبيرة بشكل غير طبيعي... وتتسلق جدار المذبح من الخارج وتكاد تغطيه وتصل السقف... ومن المفيد القول بأن المتحف التابع لهذه الكاتدرائية يحوي كنوزاً فنية تعتبر من الاثمن والاروع في جميع اوربا ... وربما تاتي بعد كنوزالفاتيكان و ايطاليا وفرنسا .
ينقل عن كونفوشيوس ، حكيم الصين ، الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد....أنه كان يمتلك مكتبة خاصة تضم 600 كتابا ً عن كيفية الاهتمام بالورد ( لاحظوا بالورد فقط )...وهو الذي يقول : ( إذا كنت تملك رغيفان...فاستبدل بأحدهما زهرة ) .. أو كما ذكرته الصديقة زهر النرجس في أحد تعليقاتها : ( إذا كنت تملك قرشان فاشتري بأحدهما زهرة )....ومن الواضح أن هذه الترجمة أو التصرف مصري لأن نقود الصينيين لم تكن تتضمن قرشا أنذاك.
علاقة نابليون بونابرت كانت مزدوجة بالورد... فقد كان يرسل حقائبا مليئة ببتلات الورد مع ضباطه...لكي يتم غليها مع النبيذ الابيض .. ثم تستخدم لتطهير جروح الرصاص التي تصيب المقاتلين فتشفيهم من التسمم بالرصاص....حيث كان الاعتقاد السائد في القرن التاسع عشر ، أن للورد قوة سحرية في أمور كثيرة....ولحد الآن يقوم الناس برشه من مرشات خاصة على الايدي في المناسبات الدينية والاعياد والمآتم... حيث يظن البعض (جهلاً) أن الغاية من الرش هي الرائحة الزكية للورد....ولكن الحقيقة هي الاعتقاد الشائع بقوتها السحرية في حماية الشخص من الاذى والامراض والشياطين....ولا زالت شائعة في الهند وايران وباكستان والبلاد العربية قاطبة لكنها انقرضت من اوربا المجتمع ، وربما بقيت في بعض الطقوس الدينية .
جوزفين زوجة نابليون كانت تهيم بالورد وتهتم به...وكانت تمتلك 250 نوعا مختلفا منه . .. وأعتقد أن حب نابليون وشغفه العظيم بها كان وراء ذلك...أو ربما بالعكس... كان شغفه بالورد نتيجة شغف جوزفين التي يعشق... وقد قال الشاعر العربي المنخـِّل اليشكري قديماً : ( واحبها وتحبني ...ويحب ناقتها بعيري ) ..والمثل الانجليزي يقول : ( من أحبني ، أحبَّ كلبي معي )
Love me , love my dog
وقد تحول هذا المثل الى اغنية جميلة غناها الكثيرون... كما حولوه الى فلم من انتاج الستينات ، لكنه كان بمنتهى التفاهة والسطحية وقد يحتاج الى قدرات هائلة من الصبر لاحتماله الى النهاية .
المشكلة في علاقة الورد بالتاريخ....هي أن السحر الاسطوري لولادة الوردة وتتويجها ملكة على الزهور ، قد سقط على أيدي علماء الاحاثة أوعلم الاحياء القديمة أو علم الاحافير ... فهؤلاء الذين تعددت القابهم في اللغة العربية قد عثروا على احافير لورود برية متحجرة يبلغ عمرها 40 مليون سنة ... وقد أفسدوا بذلك المتعة الاسطورية التي تتعلق بولادة الوردة والمزروعة في خيالي منذ اكثر من ثلاثين عاماً ... والتي سأحدثكم عنها لاحقا ً .
الوردة في الادب :
حين كنت طالبا في كلية الطب ... كنت انظم الشعر واشارك في المهرجانات... وكانت احدى زميلاتنا جميلة جدا...ولم تكن عربية بل من قومية اخرى ( لا اذكرالقومية لسبب سيعرف لاحقا )... حيث يختلط في العراق العديد من القوميات المتآخية كالعربية والكردية والارمنية والتركمانية والكلدانية والسريانية الخ الخ...وكان معنى اسمها في لغتها هو : ( ناثرة الورد )...وهو اسم لطيف لم اسمع له شبيها سابقا ً وقد أثار انتباهي ...وجميع الطلاب يعرفون اسمها ( فلانة ) دون ان يعرفوا معناه ...وحين عرفت معناه كان مطلع قصيدتي التالية :
تنثرين الورد َ؟؟ أ مْ أنت ِ النثار ْ فنثار ُ اللّه ِ أورادٌ كبار ْ
( الصديق الدكتور : نوفل محمد خليل ، في لندن حاليا ، كان معيدا في الكلية وقتها...هو الوحيد الذي يعرف هذه القصة ... تحياتي له )
لم تحظى أية زهرة... أو نبتة على وجه العموم ، بالإهتمام ، بنفس القدر الذي أولاه الشعراء والكتاب والفنانون للوردة...فالوردة فضلا ً عن جمالها...وعبيرها الأخاذ....ومعانيها المتنوعة حسب الوانها وعددها وصفاتها الاخرى في لغة الزهور وكما سنبين لاحقا ً... لها معان ٍ أخرى في اللغة....فكلمة ( روز ) ..تعني المرأة الجميلة... والغريب أن جميع النساء اللواتي يحملن هذا الاسم لا يعلمن هذه الحقيقة.... اللهم إلا من تحترف الادب الانجليزي... ويتصورن ان معنى هذا الاسم هو وردة.... وحين تطلب منها أن تترجمه لك للغة العربية تقول ( وردة وليس إمرأة جميلة )...وطالما كنت اتسلى بسؤال الناس عن اسمائهم ولا زلت... ومن المعاني المرتبطة بالوردة هي السرية .. فالمصطلح اللاتيني :
Sub rosa
يعني : ( الشيء الذي يقال في السر )... و من التقاليد المعروفة في القصور منذ القدم ، تقليد يعود إلى العصر الروماني... هو : وضع وردة حمراء امام باب الغرفة التي يجرى فيها اجتماع سري وشخصي ...توضع بشكل واضح لكي تبعد المتطفلين وتمنع الاخرين من الدخول او الإزعاج عند مشاهدتها...( أتسائل هل تنفع هذه الوسيلة في بلداننا أم لا ؟؟؟ )... كما ترتبط بها معان ٍ لا حصر لها ستمر بنا لاحقا ً...وفوائد كثيرة تؤكد مثلنا الذي بدأنا فيه هذه المقالة.....لكل هذه الاسباب ... ذ ُكرت الوردة كثيرا ً على ألسن الادباء والشعراء....وسنختار نماذجا ً من هذا الكثير الذي لا ينتهي ... وقد مر َّ بنا بعضها في أغاني السيدة الساحرة فيروز وسنمر على بعضها الآخر عند تناولنا لأغانيها الأخرى....لكننا سنتناول نماذجا ً لكتاب آخرين :
يقول أمين نخلة في وصفه لفم من يهوى :
أنا لا أ ُصَدق ُ أن َّ هذا الأحمر المشقوق فـَمْ
بل وردة مبتلة حمراء من لحم ٍ ودم ْ
أكمامها شفتان ، خـُذ ْروحي ومـَتـِّعني بشـَم ْ
إن َّ الشفاه َ أ ُحبها كم مرة ً قالت نعم ْ
وقد ذكر وليم شكسبير كلمة وردة أو ورد ( 50 ) مرة في كتاباته .
وسأ لخص لكم قصة قصيرة رائعة للروائي الامريكي أوسكار وايلد هي ( العندليب والوردة ) من مجموعته التي تحمل عنوان : ( الامير السعيد وقصص أخرى ) والصادرة عام 1888 ...هذه القصة قرأتها لاول مرة في كتاب المطالعة للغة الانجليزية للصف الثالث متوسط ( التاسع ) او الرابع الثانوي ( العاشر ) لا اتذكر بالضبط ...وكانت قرائتي لها خارج المنهج المطلوب...حيث كان الاساتذة يختارون بعضاً من الكتاب المقرر ويتركون الباقي....وللأسف الشديد...فهذه القصة وأمثالها عشرات لم تكن مطلوبة ... لكنني كنت اقرأها لنفسي...تقول القصة التي ساترجمها بتصرف :
جلس الطالب الشاب يلوم حظه العاثر ويتسائل من أين له أن يأتيها بوردة في هذا الشتاء القارس البرد... فقد كانت زميلته الجميلة ، ابنة البروفيسور ، قد وعدته ان ترقص معه في الحفل حتى الفجر ، لو جاءها بوردة حمراء تتزين بها.. وتسائل : ( ما قيمة دراسة الفلسفة والعلم ، اذا كان شيئا بسيطا كوردة يمكن أن يجطم حياة الانسان ؟؟؟ ) ...سمع العندليب من عشه بين اغصان شجرة البلوط بكاء الطالب وتنهداته...فقال : ( ها هو عاشق حقيقي ممن يستحقون غنائي )...وقرر مساعدته...طار يبحث عن وردة ما بين الاشجار والرياض . اعتذرت جميع الشجيرات منه... في النهاية اخبرته احدى الشجيرات ان هناك طريقة واحدة للحصول على الوردة... وهي ان يبنيها على صوت غناءه العذب في ضوء القمر وهو يغني احلى اغانيه اغنية بعد اغنية ، ويدفع صدره باتجاه شوكتها الكبيرة لتنغرز في قلبه ، فينتقل دفئه ودمه وحياته اليها....وحين تبدأ الشجرة بالحياة والاخضرار ستزهر الوردة عند الفجر...وهكذا كان...توسلت شجرة البلوط التي كانت تسمع الحديث للعندليب ان لا يذهب لكنه اصر على التضحية...واجابها : ( ما قيمة حياتي امام حب حقيقي )..حين جاء الليل... وطلع القمر...بدأ العندليب بالغناء على ضوء القمر وهو يدفع صدره باتجاه الشوكة...وشيئا فشيئاً راحت الشوكة تتوغل في صدره باتجاه القلب وهو يرفع صوته بالغناء... بدأت الشجرة بالاخضرار وبدات اوراقها تزهو والدفء يدب فيها...وبدأ العندليب بالمقابل يزداد ألما ً و نزفا وشحوبا وعذوبة في الصوت...حين اقترب الفجر..كانت الوردة على وشك الاكتمال والتفتح...وكانت الشوكة تقترب من القلب....ورويدا روديا بدأت تغوص فيه...وصوت الغناء يتعالى .
حين اشرقت الشمس..فتح الطالب نافذته لتدخل الشمس غرفته...صاح مستغربا وهو يرى وردة هي الاجمل في كل الدنيا : ( اي حظ هذا..ومن اين جاءت هذه الوردة ؟؟؟ يا لي من سعيد )..اسرع نحوها وهو يكاد ان يطير من الفرح... قطفها مسرعاً دون ان ينتبه لوجود جسم عندليب صغير كان ميتا ً بالقرب منها...حملها لحبيبته التي قابلته ببرود...فائلة : ( لم يعد للوردة حاجة...فقد وعدني ابن أخت الحاكم ، أن يعطيني بعض الزينة لأتزين بها في الحفل...وسأرقص معه !!!) عاتبها بمرارة : ( ولكنك وعدتيني ؟؟؟ )..قالت : ( ومن أنت لارقص معه في ليلة العيد...أنت مجرد طالب ... أتريدني أن اترك ابن اخت الحاكم من اجلك ؟؟؟ ) .. رمى الطالب الوردة حانقا ً على الارض...لتسقط في بركة ضحلة من ماء المطر....وتمر عربة تجرها الخيول فتهرس عجلاتها الوردة .
عاد الطالب الى غرفته...وتناول واحدا من كتبه المغطاة بالتراب... وبدأ يقرأ ... الفلسفة...والمنطق والعلم...هذا ما يعطي الانسان اعلى القيم...ويعوضه عن كل شيء .
د حكيم العبادي
بحاجة إلى قرض اتصل بـ WhatsApp: +91 (923) 356-1861 أو (contact@faizaafzalfinance.com). لقد حصلت على قرض بقيمة 30 ألف دولار منهم. إنهم موثوقون وصادقون للغاية من البداية إلى النهاية. عليك أن تتأكد من أنك سوف تقوم بالسداد وأن تتبع أيضًا جميع التعليمات التي سيقدمونها لك
ردحذفشكرًا.