الجمعة، 17 مايو 2013

لماذا اغتالوا حفيد بانيبال في تورنتو

بانيبال: هو الملك الآشوري الشاب (آشور بانيبال) الذي حكم العراق القديموهو الابن الثالث للملك (إسرحدون), وله أسماء كثيرة في اليونانية والعبرانية والبابلية, نذكر منها: (بني بعل), أو (ساردانا بالوس), أو (أوسنابير), اما أحفاده في الألفية الثالثة بعد الميلاد فهم الآن بالملايين, نذكر منهم العراقي (دوني جورج), الذي اغتالته يد الغدر والإرهاب الدولي في مدينة (تورنتو) الكندية في العام الماضي, وفارق الحياة في ظروف غامضة, وماتت معه أخطر أسرار القطع الأثرية المنهوبة, وأدق تفاصيل الأرشيف اليهودي المسروق من خزانة المتحف الوطني العراقي. .

أسس بانيبال أول مكتبة علمية في تاريخ السلالات البشرية في العقد السادس قبل الميلاد, فجاء حفيده (دوني جورج) في العام الأول من الألفية الثالثة بعد الميلاد (2001) ليحيي ذكرى جده, ويستذكر دوره الريادي في نشر العلوم والفنون والآداب. .
قبل الخوض بتفاصيل الحادث المأساوي المدبّر, لابد لنا من قراءة السجل العلمي والمهني لهذا العالم الكبير, الذي خسره العراق وخسرته المنابر الأكاديمية في هذه الفترة المظلمة, التي بلغت فيها أمريكا وزبانيتها أقصى درجات الطغيان. .
نحن على يقين تام إنكم ستصابون بدهشة عظيمة عندما تتصفحون سجل هذا الرجل الغيور, فقد كان (جورج) رحمه الله يجيد التحدث باللغات العراقية القديمة كلها, الآشورية والكلدانية والبابلية والأكدية والسومرية, فضلا عن العربية والانجليزية. تخرج عام 1974 في كلية الآداب جامعة بغداد قسم الآثار, وتتلمذ على يد الأساتذة الكبار طه باقر, وفؤاد سفر, ثم تتلمذ على عملاق من عمالقة الآثار العراقية هو البروفسور (بهنام أبو الصوف), وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة بغداد, ثم صار معاونا لمدير عام الآثار العراقية, فمديرا عاما لدائرة الدراسات والبحوث, فمديرا عاما للمتاحف, ثم رئيسا لهيأة الآثار, ثم مديرا عاما للمتاحف العراقية, حتى صار من خيرة الخبراء في مجالات التوثيق والمسح والتنقيب, وبخاصة في المواقع الأثرية في نينوى, وسد بخمة, والرفاعي, وأم العقارب, وأم الفحم, وأور, وإيشان شعيب في هور إصليّن, والوركاء, ولكش, وكيش. .

كان (دوني جورج) طيبا بسيطاً في حياته, يعشق عمله, يحب الناس, لم يكن عنده أعداء, ولا مناوئين, حتى الأكاديمي (عامر حنا فتوحي), الذي وصفه في لحظة غضب بالسم المغلف بالعسل, لم يكن يقصد هذا الكلام, فقد ترك الفقيد في نفوس الناس كلهم لوعة ما بعدها لوعة, وفي القلوب غصة ومرارة, وترك أثرا علميا ووطنيا لا ينسى. .
شارك قبل عام 2003 بتأليف وتصوير باقة نفيسة من الكتب الأثرية نذكر منها: المخازن القديمة لبلاد الرافدين (1985), الأمثال القديمة في بلاد الرافدين (1994), الهندسة المعمارية في القرن السادس قبل الميلاد (1997), قبور الآشوريين (2000), مهارة الصنعة في كنوز النمرود (2002), ثم تغيرت مسارات حياته العلمية بعد عام 2003, وراح ينحت في الصخر بحثا عن الكنوز العراقية المنهوبة, والقطع الأثرية الضائعة, فشارك في تأليف وإعداد سلسلة من الدراسات التحقيقية والتحليلية, نذكر منها: أوعية الطعام المنهوبة من متاحف العراق (2005), تدمير التراث الثقافي في العراق (2008), الآثار تحت الحصار (2008), النكبة وعمليات النهب والدمار لآثار العراق (2008). .

ربما كانت خطط الهجوم على العراق توراتية الأهداف تلمودية النوايا, لأنها استهدفت المتاحف والمواقع الأثرية, واستعانت بفريق من خبراء الآثار من العاملين في جامعة (كامبردج), للتباحث في كيفية الاستيلاء على الأرشيف اليهودي المحفوظ تحت الأرض في صناديق فولاذية تابعة للمتحف العراقي, والتي جرى نقلها فيما بعد إلى السراديب التابعة لمبنى المخابرات العراقية ببغداد. .

كان الأرشيف اليهودي يضم أقدم نسخة أصلية نادرة لكتاب (التلمود), وأقدم نسخة أصلية نادرة لكتاب (التوراة), ويحتوي على قرابة (3000) وثيقة, ونحو (1700) تحفة أثرية نادرة, تحكي قصة سبي اليهود في العراق, ابتداء من السبي البابلي الأول إلى السبي البابلي الثاني. .
لذا لم يكن مستغربا توجه مجاميع مجهولة (ملثمة ومقنعة ومسلحة) إلى مقر المتحف الوطني العراقي في اليوم الأول من سقوط بغداد, ولم يكن مستغربا قيامها بشن هجوم منظم, وسطو مدبر لنهب محتويات المتحف, وبخاصة القطع الأثرية المرتبطة بتاريخ اليهود, وهذا ما كشفته وأكدت عليه التحقيقات, التي قام بها (دوني جورج) وجماعته, إذ تبين لهم بالدليل القاطع إن عملية الهجوم لم تكن عشوائية, ولم تكن من أعمال الشغب, وإنما قامت بها فرق كبيرة, تدربت على تنفيذ عملية السرقة بموجب خطط مدروسة وضعوها منذ زمن بعيد لهذا اليوم المشئوم, والدليل على ذلك إنهم فتحوا خزانة كبيرة تضم الأختام القديمة كلها, لكنهم اختاروا تسعة منها فقط وتركوا الباقي, وكانت تمثل الأغلى والأهم والأقدم, واستمرت عمليات النهب المنظم قرابة يومين كاملين على مرأى ومسمع من الدبابات الامريكية, التي كانت تقف على مسافة بضعة أمتار من بوابة المتحف, وكأنها كانت مكلفة بتوفير الغطاء للسراق والقراصنة. .

تحركت يوم سقوط بغداد كتيبة من كتائب الدبابات الامريكية باتجاه منطقة (الحارثية), حيث يقع مقر المخابرات العراقية, وترجل منها ممثل البنتاغون, الذي اشرف بنفسه على سرقة الأرشيف اليهودي, وأخذت النسخ الأصلية النادرة للتوراة والتلمود. بينما توجهت كتيبة أخرى إلى مقر البنك المركزي العراقي, ونزلت إلى أقبيته الواقعة تحت الأرض, واستولت على كنز النمرود الخرافي, والمثير للعجب ان الكنز ظهر ثانية في المتحف الوطني عندما عرضته القوات الامريكية هناك بوجود الحاكم الامريكية (بول بريمر), لكنه عاد للاختفاء والتلاشي, ولم يعد له وجود. .
والأغرب من ذلك كله إن الثكنات العسكرية الامريكية اختارت التمركز في المواقع الأثرية القديمة, ولم تغادرها حتى يوم الانسحاب. وشيدت لها أكبر القواعد المؤقتة عند أقدام (زقورة أور), والانكى من ذلك إنها أطلقت على (تل اللحم) تسمية استخفافية تهكمية, فهو في لغتها (طليل), والعجيب بالأمر إن هذا الاسم المستهجن صار من الأسماء الرسمية المتداولة في المخاطبات الإدارية بين بعض المؤسسات العراقية من دون أن ينتبه إليه أحد, على الرغم من كل المقالات التحذيرية والتوعوية التي كتبناها عن تاريخ (تل اللحم). .

كانت عناصر المفارز التنقيبية يقيمون في معسكرات موزعة حول المواقع الأثرية, يرتدون الملابس العسكرية, يركبون الهمرات, يعتمرون القبعات المرقطة, حتى بات من الصعب علينا تمييزهم عن جنود المارينز, ولا ندري ما الذي أخذوه من معبد الإله (شولكي) في الناصرية, أو من معبد (دبلان ماخ), خصوصا بعد أن تحول الموقع برمته إلى معسكر حربي وتنقيبي, وربما كانوا يستقبلون الأفواج السياحية اليهودية لزيارة مسقط رأس سيدنا إبراهيم في أور, وكان دوي موسيقى الجاز ونغمات المزامير, المنبعثة من مكبرات الصوت وسط معسكرات جنود المارينز تستفز هيبة الزقورة, في حين راحت قعقعة أغاني الراب تنتهك حرمة المكان, فتسلخه من سكونه الأبدي الكامن في جوف الصحراء, بينما حلقت طائرات الاستطلاع الصغيرة فوق الزقورة من دون طيار, لتستكشف المنطقة بعيونها الالكترونية المبحلقة, فتضيف للمكان صخبا وضجيجا مزعجا بأزيزها وتبخترها
وعدوانيتها. .

لم يتحمل (دوني جورج) هذا الكم الهائل من التجاوزات والانتهاكات السافرة, كانت عمليات السطو المبرمج على المواقع الأثرية تقلقه, وتحثه على توظيف خبراته لكشف حيثيات المخططات المدبرة, وتدعوه إلى استنفار طاقاته كلها في سبيل فضح المخالب الخبيثة, التي اشتركت في نهب ارثنا الحضاري والتاريخي, وتعريتها أمام الملأ, وبيان كيف تسللت مع القوات الغازية لتسرق كنوز العراق الأثرية, وكيف استولت على التماثيل والأختام والمخطوطات والألواح الطينية والمجوهرات القديمة, فتوصل من خلال تحقيقاته الموقعية, وتحليلاته الميدانية إلى مجموعة من الحقائق المذهلة, ولم يكن في منأى من التهديدات والضغوط والإغراءات لكنه كان أصلب مما توقع الغزاة, وأشد منهم إيمانا بقضيته الوطنية, التي أقسم أن لن يتخلى عنها مهما بلغت التضحيات, فاختار مواجهة الذئاب في أوكارها, واتخذ من مدينة (نيويورك) منطلقا لحملاته, التي كشف فيها زيف الادعاءات الامريكية, وكانت قاعات جامعة (ستوني بروك) الأمريكية هي المنبر الذي وقف فوق منصته, ليشرح للطلاب تفاصيل أكبر سرقة تاريخية لأقدم الحضارات في الكون. .

فرصدوا تحركاته, ونصبوا له الكمائن, ووزعوا الأدوار على مرتزقتهم, وانتظروا حتى صباح العاشر من آذار (مارس), من عام 2011, وهو اليوم المقرر لسفره بالطائرة من أمريكا إلى كندا ليلقي محاضرته في جامعة تورنتو, والتي كان ينوي فيها كشف الدوافع الحقيقية لتدمير العراق. وما أن هبطت الطائرة في المدرج, وتوجه الركاب نحو قاعة المسافرين, حتى سقط (دوني جورج) ميتا من دون أن ينبس ببنت شفة. فأعلنت إدارة المطار عن وفاته بالجلطة القلبية, وهو التبرير المتوقع لعمليات الاغتيال, التي تنفذها الخلايا الإرهابية الدولية الضالعة بالإجرام, لخنق الأصوات الوطنية الناطقة بالحق, ولم تمض بضعة أشهر على استشهاد (جورج) حتى أعلنت حكومة (تل أبيب) رسميا عن سعادتها الغامرة بتسلم الأرشيف اليهودي من القوات الامريكية, التي شاركت بغزو العراق. في احتفالية شيطانية أقامتها إسرائيل في الأرض المحتلة, وكلفتها نحو ثلاثة ملايين (شيكل), وانيطت مهمة الحفاظ على الأرشيف المسروق بنجل أول عمدة لتل أبيب, وهو اليهودي الاشكينازي المتشدد (ياد شاغال). .

رحل (دوني جورج) في ظروف غامضة, وطمرت بموته أخطر الأسرار, وانطوت معه انصح الصفحات المشرقة من تاريخ العراق القديم, وأسدلت الستارة على الأرشيف الأثري المسروق, وعبرت أمريكا عن سعادتها الغامرة بتسليم إسرائيل أقدم نسخة للتلمود وأقدم نسخة للتوراة, وسلمتها أيضا تسعة من أغلى الأختام البابلية, ووضعتها في أكبر المعابد اليهودية المشيدة في القدس المحتلة. .

كان (دوني جورج) على موعد مع الموت الذي لا مفر منه, منذ اليوم الذي أرسلوا فيه لولده الأصغر (مارتن) رصاصة بندقية, وضعوها له في مغلف ورقي ليزرعوا الرعب في كيان الأسرة الهادئة المسالمة, فدب الذعر في قلب ابنه الأكبر (ستيفن) وابنته (مريم), فسارع الأب المهدد بالموت إلى تقديم استقالته من عمله, فقبلوها من دون تردد, ومن دون أن يعترض عليها أحد, ولم يـتألموا على خسارتهم لهذا العبقري المتميز, فقرر مغادرة (حي الدورة), ثم غادر (بغداد) مكرها مع عائلته, واستقر به المقام خارج العراق عام 2006,
فكانت يد المنون بانتظاره لحرمانه من البوح بما يعتمل في صدره من آلام وأحزان مدعومة بالشواهد والأدلة القاطعة. .
إن من يقرأ كلماته الأخيرة, التي قالها في العشرين من مايو (أيار) 2009 يدرك انه كتب وصيته قبل موته, فجاءت كلماتها زاخرة بعبارات التواد والتفاهم والتلاحم, وليس أروع من أن نختتم حديثنا عنه بهذه الكلمات الصادقة المعبرة, التي كتبها بخط يده: ((أخواني الآشوريين من كل المذاهب, يكفي ما أصابنا حتى الآن, ولست بحاجة لأذكركم بما يحدث لنا على أرضنا المغتصبة من قتل وذبح وتهجير, وارتكاب أبشع الجرائم بحق هذه الأمة. .
ألم تدركوا بعد ما الذي سيكون عليه مصيرنا بعد هذه الفرقة, وهذا التمزق ؟؟. إذن علينا اليوم جميعا التكاتف, لأن الأخطار المحدقة بنا ستمزقنا وتفرقنا. : أدعوكم من أجل هذه الأمة العظيمة, التي وضعت اللبنات الأولى لمقومات الحضارة الإنسانية على وجه الأرض, والتي نفتخر بها أمام العالم, ألا تكونوا سبباً في تمزيقها وزوالها))اللهم أحفظ العراق, وأبدل سوء حاله بحسن حالك, يا رب. .

في رثاء الفقيد الراحل; كم كان الأستاذ (وليم أشعيا) بليغا عندما قرأ هذه الكلمة في رثاء الدكتور (دوني جورج), حين قال:
((أرى إن أكثر ما يتناسب والحدث الجلل, أن أذكر ما طالب به المفكر الكبير جبران خليل جبران حينما أوصى بأن تُكتب على شاهدة قبره العبارة التالية:
 أنا لم أمت, أنا حيٌ مثلك. التفت إلى خلفك ستجدني أمامك
هذا بالضبط ما ينطبق على المغفور له, سيبقى حيا بيننا بفكره ودراساته المعمقة وعلمه الغزير, سنجده دائما حاضرا بيننا بنتاجاته, التي ستبقى مرجعا للباحثين في التاريخ الآشوري)).
كاظم فنجان الحمامي

الاثنين، 13 مايو 2013

العبودية


يقول احد أعمدة الإصلاح الفرنسيين - منتصف القرن السادس عشر –  يدعى  " دولا بويتي "  في كتابه " خطاب حول العبودية الإرادية " :
" أيتها الشعوب المسكينة والبائسة والتي لا ترى أين خيرها ! ،
 إن الذي يخضعكم ليس له إلا عينان ويدان وجسد واحد . وانتم فقط الذين تعطونه قوته ،
ومنكم يأخذ الأيدي التي يضربكم بها والأرجل التي يدوسكم بها . إن عبوديتكم إرادية بحتة . فكفوا فقط عن أن تريدوها . وصمموا على أن لا تخدموا بعد الآن ،
وستجدوا أنفسكم أحرار . إني لا أريد أن تقوموا بدفعه أو زعزعته ، وإنما فقط بعدم تأييده بعد الآن ، وسترونه كيف ينهار لوحده ، ويتحطم مثل تمثال ضخم جرّد من قاعدته "

الخميس، 9 مايو 2013

ضربة للمعارضة السورية وقطر :واشنطن استسلمت لشروط روسيا..مصر والامارات والسعودية وافقوا على حل سياسي سريع لأزمة سوريا وبقاء الأسد

أعتبرت مصادر اسرائيلية ان واشنطن وجهت ضربة قاصمة للمعارضة السورية بموافقتها كاملة على الشروط الروسية لحل الازمة السورية مشيرة الى ان تطورات اقليمية خطيرة حدثت خلال الساعات الماضية اجبرت صناع القرار في البيت الابيض على الموافقة على الاشتراطات الروسية بما فيها بقاء الاسد وعدم اشتراط رحيله وتمثيله في الحوار حول مستقبل سوريا.

اذاعة جيش الاحتلال نقلت عن تلك المصادر الواسعة الاطلاع قولها ان البيت الابيض تشاور مع تل ابيب وبعض الدول الاقليمية قبل الموافقة على المقترح الروسي معتبرة ان واشنطن استسلمت كاملة للشروط الروسية بعد تهديدات مباشرة من موسكو بالتدخل بقوة على خط المواجهة وتهديدات ايرانية واضحة بالتدخل عسكريا في سوريا ودفع قوات برية للقتال الى جانب النظام .

وتابعت المصادر "ان تحولات مهمة حدثت في الموقف السعودي والاماراتي والمصري نحو الدفع بالحل السياسي ما ادى الى محاصرة الدور القطري وفي ظل تاكد الاجهزة الاستخبارية الدولية وعلى راسها الاسرائيلي بان من يقود المعارك في سوريا هم رجال القاعدة وان بقية التنظيمات لا وجود لها عمليا وانها غير منظمة ولا تلقى تعاطفا شعبيا كما رجال القاعدة وتنظيم جبهة النصرة".

واعتبرت المصادر ان سقوط النظام السوري يعني تفتيت العراق وتهديد حقيقي لاستقرار المنطقة ومنطقة الخليج في ظل اصرار واشنطن على وقف المشروع النووي الايراني حيث ابدت موسكو رغبة جدية في اقناع طهران بوقف برنامجها العسكري مقابل حلول سياسية في سورية تجنب المنطقة اضطرابات لا نهاية لها يستفيد منها تنظيم القاعدة والذي اصبح قادرا على اثارة اضطرابات حقيقة من افغانستان حتى شمال افريقيا.

و قد أبلغت الدوحة الأمين العام لـ«الائتلاف المعارض»، مصطفى صباغ، وبعضا ممن يعملون لحسابها في تركيا بأن ملف القضية السورية أصبح في يد السعودية.
وقال مصدر مقرب من المعارضة السورية في إسطنبول لصحيفة "العرب"، إن القطريين قالوا لصباغ إن عليهم ضغوطا ضخمة من الولايات المتحدة وحلفائها وإنهم رفعوا أيديهم عن الملف السوري.
وأشار المصدر إلى أن رئيس «الائتلاف المعارض» جورج صبرا أدى زيارة إلى السعودية بصحبة وفد يضم أسماء بارزة من المجلس التنفيذي للائتلاف مثل محمد فاروق طيفور (نائب المراقب العام لإخوان سوريا، ونائب رئيس المجلس الوطني) وعبد الأحد صطيفو (رئيس كتلة السريان الآشوريين).

وقد نقلت طائرة سعودية خاصة وفد المعارضة السورية من مطار صبيحة التركي إلى الرياض حيث التقى الوفد الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات السعودية في مرحلة أولى ثم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية.

وكشف المصدر أن المسؤولين السعوديين أكدوا لصبرا وزملائه استعداد الرياض لدعمهم والتنسيق الكامل معهم.
ونقل المصدر عن عناصر من الوفد أن السعوديين يبدون رغبة كاملة في التنسيق مع المعارضة السورية حتى على المستوى الميداني وأن لديهم مخططا وترتيبا لسيناريو مستقبلي يقوم على حل الأزمة عن طريق التفاوض بالتزامن مع المواجهة الميدانية، لكن دون منح فرص سهلة لتكوين فضاء خصب لتفريخ المجموعات المتشددة التي تهدد أمن سوريا راهنا ومستقبلا.

وأشار المصدر إلى أن السعوديين تحدثوا إلى الوفد بوضوح تام، وقالوا إنهم يفتحون هذا الباب مع المعارضة من أجل غاية واحدة، وهي وقف الحرب الدموية في البلاد عن طريق التفاوض ومن بوابة مبادرة المبعوث الأممي الأخضر الابراهيمي، وهو موقف يلقى دعما أميركيا كاملا وتفهما روسيا.

وقال السعوديون لصبرا وزملائه إن المملكة تحث مختلف الفصائل الوطنية السورية على التوحد من أجل إنجاح خيار الحل التفاوضي دون أية اشتراطات مسبقة، وأن مختلف الأطراف (نظاما ومعارضة) مطالبة بالتنازل من أجل تسريع الحل.
ووفق المصدر، فإن السعوديين طالبوا من الوفد أن يوضح أمره في ما يتعلق بالمجموعات التي ترتبط بالقاعدة أو المقربة منها خاصة «جبهة النصرة».

وأكد السعوديون على أن الرياض لا تقبل بأي دور لهذه المجموعات في مرحلة التفاوض أو في المرحلة الانتقالية، لأنها مجموعات عنيفة ولا تقدر على العيش إلا في ظروف التوتر والمواجهات.
وذكر المصدر أن الوفد تعهد بقطع أي صلة للمعارضة الوطنية السورية مع المجموعات الجهادية التي يتشكل أغلب أفرادها من عناصر غير سورية.
يشار إلى أن أطرافا من المعارضة السورية و «الجيش الحر» سبق أن عارضوا القرار الأميركي بوضع «جبهة النصرة» على القائمة السوداء، ودعوا إلى التعاطي معها كشريك في المعركة ضد النظام.
لكن قرار "النصرة" الأخير الولاء لتنظيم القاعدة سمح للمعارضة السياسية والعسكرية بالتبرؤ منها، ومن ثمة الاستعداد لمقاتلتها استجابة لضغوط خارجية.

وفي سياق متصل، نقل المصدر عن جورج صبرا قوله إن الإخوان المسلمين، ومنذ أن تبلغوا القرار القطري، أصبحوا يعيشون في دوامة كبرى، فهذا يعني أنهم لن يكونوا طرفا مؤثرا في المرحلة القادمة، كما أن الدعم المقدم لهم سيختفي.>يشار إلى أن قطر، وبدعم تركي، عملت طيلة السنتين الماضيتين على فرض الإخوان في كل الهيئات والمؤسسات التي تخص المعارضة، وآخرها كان قرار تنصيب غسان هيتو رئيسا للحكومة، وهو شخصية مقربة من الإخوان.

وقال مراقبون إن القرار الأميركي بتحييد قطر ومنعها من التدخل في الملف السوري مستقبلا هو ضربة موجعة للدوحة التي كانت تقدم نفسها دائما وصيا على الحركات الإخوانية والسلفية وخاصة في "ثورات الربيع العربي"، وأنها قادرة على توظيف هؤلاء في خدمة المصالح الأميركية.

وأكد هؤلاء أن هذا القرار سيسهل الوصول إلى حل في سوريا يقوم على التوافق خاصة أن المبادرة السعودية مدعومة أميركيا.
من جهتها أشارت مصادر خاصة في الدوحة مقربة من وزارة الخارجية القطرية إلى أن اجتماعا تم بين أمير قطر ورئيس وزرائه ووزير خارجيته الشيخ حمد بن جاسم بحضور ولي العهد القطري تميم بن حمد تخلله تبادل اتهامات حول الإخفاق الذريع الذي أصيبت به الجهود القطرية في سوريا.

وأوضح ولي العهد أنه نصح مرارا بالتعاون مع الجهود الخليجية لتقوية الموقف التفاوضي للمعارضة السورية، لكن الرهان على الإسلاميين وقف حاجزا دون الحصول على الدعم الدولي للمعارضة وتسبب في نجاح النظام السوري بتصويره المعارضة على أنها مجاميع إسلامية متشددة قريبة من القاعدة مما قلل من الدعم الدولي للجيش الحر.

وتتخوف مصادر في الدوحة من أن تتسبب الضغوط الغربية على الدوحة في ردة فعل مرتجلة من قبل جناح رئيس الوزراء خاصة بعد الإعلان عن زيارة مفاجئة سيؤديها إلى طهران حسب ما صرح به وزير الخارجية الإيراني في الأردن، وأن الدبلوماسية القطرية عرفت بتسرعها مما يفتح المجال واسعا أمام تكهنات بأن تعود الدوحة إلى تشنجها وعلاقاتها المثيرة للتحسب خليجيا وخاصة مع إيران.
وذكرت ذات المصادر أن قطر تنتظر فحوى لقاءات وزير الخارجية الأميركية جون كيري مع المسؤولين في موسكو، وهل ستحصل بينهما خلافات حول طريقة التعاطي مع النظام السوري، وهذه الخلافات قد تمدد في أنفاس الدور القطري ولو صوريا.

لكن التقارير القادمة من موسكو توحي بتقارب حقيقي في المقاربة الأميركية الروسية بخصوص الدفع باتجاه حل سياسي يلزم الطرفين بتقديم تنازلات مؤلمة، وهو ما يجعل الدور السعودي مقبولا على عكس الدور القطري الذي سينتهي مع خيار التصعيد ومحاولات الخيار العسكري.
وقد دعمت تصريحات خاطفة لكيري هذا الخيار حين قال "نشاطر موسكو وجهة نظرها، وكلانا نريد أن يعم الاستقرار هذه المنطقة وأن تكون خالية من التطرف".